Wednesday, August 13, 2008

هذا ما أردت قوله يوم تم تكريمي بجامعة القاهرة منذ أيام، لولا ضيق الوقت

منذ أن قدمت مسرحيتي السياسية الساخرة "اللعب في الدماغ" عام 2004، وما تلا ذلك من خطوات تمثيلية في السينما وفي التلفزيون، تم تكريمي –الحمد لله- من عدد كبير من الجهات. والتكريم بشكل عام يسعدك طبعا لأنه يشعرك باعتراف مجتمعك بأنك تسير في الاتجاه الصائب، ولكن من التكريم ما يفجر فيك سعادة خاصة لما يحتويه من معان إضافية، مثل تكريم اليوم بالنسبة لي والذي يأتيني من بيتي الأول في عالم الفن.. المسرح الجامعي.
تكريم اليوم ليس حدثا متكررا، بل هو بالنسبة لي ثمرة التفاعل الطويل بين شبابي كله من جهة، والدنيا الفنية من جهة مقابلة.
-----------------------------
لا أريد أن أكون شديد الديبلوماسية حتى لا أنزلق إلى هاوية النفاق ولا أن أكون شديد الصراحة حتى لا أوتر الجميع، ولكني سأتكلم من القلب حيث الصراحة والحب معا.
التحقت بكلية الحقوق -جامعة القاهرة- في مطلع الثمانينيات وانجذبت مباشرة لمسرح الكلية ثم لمسرح الجامعة حيث التقيت بجيلي الذي احتوى على أسماء صارت مهمة في الحقل الفني، خالد صالح، صلاح عبد الله، عبلة كامل، وغيرهم من الشباب العاشق للفن المسرحي والمخلص له رغم عذاباته المتنوعة، والذي صنع مسرحياته الواعدة بإمكانيات بسيطة وعبر شبكة معقدة من التفاعلات الدرامية مع جمهور الطلاب، ومع إدارة الجامعة وجهاز رعاية الشباب، ومع السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية المعنية بالمجتمع الجامعي، ومع التيارات السياسية السائدة وقتها من الجماعات الدينية في أقصى اليمين إلى الحركة الشيوعية في أقصى اليسار.. ناهيك طبعا عن التفاعل غير المباشر مع المجتمع المصري عبر أهالي طلاب النشاط مثلا، وكلنا نعرف مدى تأثيرهم على المسرح الجامعي بتشجيعهم لأبنائهم وبناتهم عليه أو تنفيرهم منه.
كالعادة.. لم تكن الحياة وردية، وكان عليك كلما فكرت في عمل مسرحية أن تتأمل مختلف الضغوط التي يمارسها الواقع ضدك حتى لا ينتهي مجهود البروفات والتحضير إلى عدم. الواقع يضغط عليك من أجل إبقائك في حيز معين لا تبرحه دون إذن.. حيز اتفقت عليه سلطة القيم بالمجتمع الكبير وسلطة الإدارة بالمجتمع الجامعي وسلطة الدولة طبعا.. ورغم كل التناقضات داخلها، إلا أنها جميعا اتفقت على تحجيم دورك كطالب نشاط جامعي بحيث لا تتجاوز الخطوط الحمراء التي تشكل مربع الأوامر التي تحيط بك من كل اتجاه.
لم نكن جميعا شبابا متمردا وقتها، ولكن الفعل المسرحي نفسه تمرد مستمر على حالة السكون التي تريدها دائما كل السلطات، وممارسة المسرح بانتظام تعلم المرء التمرد بالتدريج، وهكذا صنعنا مسرحياتنا عبر احتكاك مستمر مع تحفظات الإدارة وتوجسات الأمن السياسي وعنف المتطرفين الدينيين وتحت ضغط إضافي يمثله جهل بعض الأهالي وسلبية الكثير من الطلاب.. ورغم ذلك قدمنا عددا كبيرا من المسرحيات العربية والعالمية وعددا كبيرا أيضا من المسرحيات المؤلفة من الطلاب أنفسهم وأنا واحد منهم وقتها.. ولي كل الشرف.. خاصة وقد دفعت وقتها ثمن تعلقي بحرية التعبير وباستقلال الحركة الطلابية مما قواني أكثر وجندني في معسكر أحباء الحرية والعدل الاجتماعي.
إن تجربتي مع المسرح الجامعي من عام 1980 وحتى عام 1990 عبر مسرح كلية الحقوق ثم مسرح كلية الآداب -والتي انتسبت إليها أثناء عملي في المحاماة- هي تجربة طويلة وتحتوي قدرا لا بأس به من المرارة والانتشاء معا، وهي الخلفية التي بنيت عليها تجربتي اللاحقة مع تيار المسرح الحر وفرقة الحركة التي عبرت بي إلى شاطيء الأضواء بعد 15 سنة من تأسيسي لها.
في مسرح الجامعة تعلمت المسرح، وفي عالم المسرح تعلمت التمرد حتى أدافع عن مسرحياتي، وهكذا تعلمت أن أكون إيجابيا ومثابرا بل وصداميا لدى الحاجة، وكلها كانت أسلحتي لدخول الوسط الفني من باب السعي الحثيث للتعبير عن رؤية إنسانية لا من باب التوسل بالوسائط واستهداف الربح السريع والتهليل للقيم السائدة دون نقد أوتحليل.
إنني أحمل إليكم الليلة ربع قرن من التفاني في المسرح غير الهادف إلى مجرد تحقيق الأرباح -بل الهادف لترقية روح الإنسان أولا- لأودعها بين أيديكم شكرا وعرفانا بهذا الجميل الذي تسدونه اليوم إليّ.. جميل الاعتراف الجمعي بأنني لم أكن مجرد طالب إثاري ومحرض حسب التعريف الذي لازمني طويلا من قبل من يرتعبون من سماع أناشيد الحرية وترانيم العدالة الاجتماعية، جميل الاعتراف الجمعي بأن التمرد على الثوابت هو جزء من حركة الكون والعالم ومفخرة للكائن الإنساني، جميل الاعتراف بأن لكل مجتهد نصيبا.. وجميل الانتصار إلى الآية العبقرية "ليس للإنسان إلا ما سعى".
أشكركم من كل قلبي
كل حبي واحترامي